كتب : طالب الحسن
في عقد الستينات كان الشاب الثلاثيني محمد باقر الناصري ربان سفينة الاسلام الحركي المعاصر وهي تمخر عباب امواج عاتية من الأفكار المادية الملحدة والقومية العنصرية الوافدة إلى مدينة الناصرية أكبر مدن لواء الناصرية( محافظة ذي قار حاليا).
وكان يلتف حول سماحته كل الدعاة الميامين والمؤمنون الرساليين من خلال مدرسة الإمام الباقر ومكتبتها العامرة ومجلة التضامن الفصلية والاحتفالات العامة بميلاد الرسول الاعظم ومواليد آله الهداة الميامين صلوات الله عليهم اجمعين ومن خلال المسيرات الحسينية الهادفة في أيام محرم الحرام ذكرى استشهاد الإمام أبي عبد الله الحسين( ع)
وفي خضم هذا البحر المتلاطم من الأفكار المتقاطعة كان الشيخ المجاهد محمد باقر الناصري يبحر باخوانه الثلة القليلة. المؤمنة المؤلفة من:( السيد قاسم هجر والشيخ محمد حسن عليوي أبو عفاف والشهداء السعداء عبد الغني شكر الشمري وجواد العتابي وعبد العظيم نعمة العمر. والفقيدين شهاب خيون وعبد الرضا شريف وآخرين لا يسع المجال لذكرهم) لمواجهة سيل المفاهيم والمعتقدات والأحزاب الوافدة.
لأن الأفكار المادية بثوبها الجديد كانت قد دخلت الناصرية في عشرينات القرن الماضي وفي 31 آذار تأسس في الناصرية الحزب الشيوعي العراقي ومنها انطلق إلى محافظات العراق الأخرى وكان هذا الحزب يحسب آنئذ
للشيخ الناصري المجاهد ألف حساب ويعده العقبة الكاداء في طريقه للاستيلاء على عقول أبناء المحافظة وتختزن ذاكرتي الشيئ الكثير مما كان يضمره هذا الحزب لسماحته. الذي ظل عنيدا في المواجهة عصيا على الاستسلام والمهادنة صلبا في ساحة الصراع من خلال أحاديثه الهادفة وخطبه العصماء وما ينشره في مجلة التضامن التي يرأس تحريرها وما يصدره من مؤلفات للشبيبة تتناسب مع متطلبات ذلك العصر أتذكر منها( قصتي مع صديق مشكك)
كل ذلك من أجل دحر المبادئ التي كانت تسمى وقتئذ( بالمبادئ الهدامة)
أما الأحزاب والحركات القومية العنصرية وفي مقدمتها حزب البعث الموتور فهي الأخرى كانت قادمة من خلف الحدود. وقد سبقت أفكار الإسلام المعاصرة ونهضته الحديثة بأكثر من عقد من الزمان وقد ركزت وضعها ورسخت قواعدها بأساليب تنظيمية محكمة وكان لها حضورها ومريدوها في الناصرية فعقائديا كانت حصون المحافظة مهددة بأفكار هذه الأحزاب الوافدة
وقد غزا حزب البعث الناصرية عام1949 وزار فائز اسماعيل الاسكندروني_ وهو أول من بذر بذرة البعث في العراق_ الناصريةوسوق الشيوخ في العام المذكور قبل أن يغادر العراق نهائيا إلي بلده سوربة في الأشهر الاخيرة من العام نفسه.
إن هذين الحزبين( البعث والشيوعي) يعرفان بدقة صلابة شيخنا الراحل أية الله محمد باقر الناصري وموقفه منهما وأنه _ في كل تاريخ حياته الحافلة بالعلم والجهاد والتضحية والهجرة_ كانت مواجهته لهما عادلة وشريفة وباساليب حضارية مختارة من منهج الإسلام القويم لم يطلع عليها العراقيون إلا لاحقا.
فكانت عدته القلم واللسان في تلك المجابهة العنيدة ولم يخطر بباله أن يستخدم أساليب انتقامية أخرى( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن).
وفد شيخنا الراحل العزيز على ربه جل وعلا صابرا محتسبا بعد أن تعرض منزله في الناصرية التي أحبها إلىهجوم مدان بكل المقاييس شاركت فيه جهات شتى لا تعرف قدره الكبير ومنزلته الجليلة.
رحم الله شيخنا العلامة المجاهد محمد باقر الناصري وأسكنه فسيح جناته والهمنا نحن المفجوعين برحيله الأبدي الصبر والسلوان(وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون)
طالب الحسن