كتب االدكتور جاسب لطيف …
طرقت باب البيت المقابل لبيت احد المصابين في مدينة الشعلة وهو عبارة عن( نصف او ربع قطعة ) بباب حديدية صغيرة ففتحت الباب امرأة أربعينية مجللة بالسواد بثوب رث نحيفة البدن شاحبة الوجه و علامات الحزن بادية عليها و وقف الى جنبها طفل صغير عمره ثلاث سنوات او اربع لا يقل شحوباً عن وجهها ضعيف البنية و عليه ثوب قصير قديم حافي القدمين ، حييتها فردت التحية بصوت خافت حزين..
-أين زوجك؟!
⁃ سكتت و نظرت الى الأرض وقالت: زوجي؟ زوجي… توفى.
⁃ توفى؟ كيف توفى؟
⁃ اصيب بسرطان العظم و مات.
و بان التأثر عليها و كأني نكأت الجرح المؤلم لديها.
⁃ و كيف تعيشون؟!
سكتت قليلاً ثم قالت:( سوولنا راتب رعاية).
⁃ وهل يكفي راتب الرعاية لك ولأطفالك؟!
⁃ ( شنسوي؟ الله كريم).
أخذتني الحيرة ، جأت اسألها عن فايروس كورونا فتبين قد أصابها فايروس اخطر منه.
وقفت معها دقائق ثم انسحبنا الى مكان آخر من نفس المدينة لبيت فيه إصابتان، كان على يمين البيت عمارة قديمة و متهالكة مؤلفة من طابقين ارضي و علوي
وقد تساقطت منها كتل كونكريتية فيها شقق صغيرة، طرقت أبواب شققها وكانت احدى الشقق في الطابق العلوي لها باب بسيطةطرقتها ففتحتها امرأة ستينية نحيلة مكللة بالسواد وغطى الحزن محياها، سلمت عليها فردت السلام بإستحياء.
⁃ من معك في هذه الشقة؟
⁃ ابنتي وأولادها.
⁃ و أين زوج ابنتك ؟
فأجابت بحزن شديد:استشهد في الانفجار في الجامع المجاور.
⁃ وكيف تعيشون؟!
فتلعثمت في الجواب واهتزت و كادت تسقط وخنقتها العبرة وانسحبت الى داخل المسكن، طرقت الباب عدة مرات و مددت رأسي للداخل لأطمئن عليها، تحدثت معها قليلا وانسحبت، ثم قلت في نفسي: اي فايروس وأي مرض نحارب؟! فايروس كورونا ام كورونا العراق ؟! الفقر والحزن واليتم والجوع؟!!
انسحبت ورجعت الى الدائرة وأدركت ان كورونا العراق لا أمل في الشفاء منه لأن رئيس خلية أزمة كورونا العراق قتلوه منذ الف واربعمائة عام ومات وقتل أعضاء خليته و ماتت قراراته و توصياته في نفوسنا وضمائرنا وهي تموت و تنسى كل يوم.
فايروس كورونا اشرف وأنظف من كورونا العراق، سيذهب و يختفي بأقل الخسائر و يبقى كورونا العراق يأخذ الأرواح والأنفس بعد ان أمات الضمائر قبلها.
الدكتور جاسب لطيف