العراق بين الامم الاخرى
جميعنا يعلم ان معدل زيادة الارقام في العراق من جراء جائحة “كورونا”، تتصاعد ببطيء وللان معدل الزيادات بين 10 الى 30 حالة يومياً، وتتصاعد احيانا ولكنها كما قلت عموماً ليست متصاعدة بشكل متسارع كما في بعض الدول مثل ايران وايطاليا و أسبانيا والولايات المتحدة.
هنا تتبادر للقاريء عدة اسألة
ماذا سيترتب على ذلك في العراق؟
وماذا سيترتب على الولايات المتحدة التي تعنى كثيرا بأمر العراق واحداثه اكثر من الدول الاخرى؟
وماذا سيترتب من دول جوار العراق نحوه؟
🔸لننظر للامر نظرة عراقية اولا:
بما ان معدلات الاصابات متباطيء، ذلك يعني ان تنامي المرض سيكون بطيئا وبمتوالية عددية، ثابتة وصعود المنحنى للاصابات registered cases curve، سيكون ليس حادا وتدريجياً، هذا معناه فترة زمنية طويلة.
بالنتيجة، صحيح سننقذ كثير من الناس سواء علاجاً ام منعاً من الاصابة، لكنه سيكون بتبعات اقتصادية هائلة كبيرة وتمويلاً اكبر وغلقاً حكومياً واسعاً ودفع لاجور موظفين وهم غير مداومين اصلا “paid leave” بشكل واسع لاجل سلامتهم، وبالتاكيد سيأخذ ذلك زمناً طويلاً لندخل مراحل تطور المرض انتشاراً وعدوى وتعافياً.
فيما سنخرج من مواجهة المرض متعبين باقتصاد شبه الخالي وبتبعات طويلة حتى على المدى البعيد، وهو ما يسمى ب “الركود الاقتصادي” الذي لا نعلم كم سيطول.
وبالتالي سيشتد النزاع الداخلي، على الموارد والاموال، ولا يستبعد اصلا حدوث نزاعات قد تؤدي الى تشرذم المجتمع العراقي، وتقسيم البلاد.
🔸ولننظر للأمر من نظرة غير عراقية:
الولايات المتحدة مثالاً، بما انها دخلت بشكل متسارع جداً لمرحلة انتشار المرض وتفشيه، بالتاكيد ستخسر ارواحاً كثيرة نتيجة هذه الجائحة، ولكنها ستصل اسرع منا لنقطة التفشي the curve peak، وسينهضون منه سريعاً، يعني بالمختصر ما بدأ سريعا سينتهي اسرع، وما بدأ بطيئاً سينتهي ابطأ.
بالتالي الامم التي خرجت من الازمة سريعا ستطمع بالعراق سواء ممن يفترض بهم جيرانه، او من يفترض بهم اصدقائه.
نعود مجدداً للقول السائد حالياً:
“ما بعد الكورونا، ليس كما قبلها”
كلنا نعلم جيدا ان بعد الكوارث العالمية او الاوبئة والجوائح ستكون هناك تبعات عالمية وليست محلية، حيث ستجد هناك امم تحتاج موارد واموال، وهو مصدر للحروب والتغييرات الجيوسياسية التي ستحدث بعد كل الاوبئة، وهو امر شبه معتاد، وتاريخ البشر كله بني بهذه الطريقة، حيث الحروب، وامم تبتلع امماً اضعف منها.
هنا اود ان اذكر كل القراء، ان الرئيس الأمريكي ترامب لطالما هدد بحصار العراق، وحتى السيطرة على نفطه، واموال نفطه. فيما نعلم جيداً، ان اموال مبيعات النفط العراقي كلها مودعة بالحساب العراقي في البنوك الفيدرالية في الولايات المتحدة، وكلنا نعلم ان الولايات المتحدة ستحتاج اموالاً بعد هذه الجائحة.
بالنتيجة لما قدمناه:
يجب على الساسة العراقيين التفكير بمرحلة ما بعد “مرض كورونا” من الان وتجنب احتمالية المواجهة غير الضرورية مع الولايات المتحدة او حتى ما سواها، فيما لو قرر ترامب وادارته الاستحواذ على اموال او ثروات العراق، وقد هدد اصلاً بذلك، كما يحدث مع حسابات دول اخرى او منابع نفط دول اخرى تسيطر عليها القوات الامريكية في مناطق منتشرة فيها، وبالطبع سيسهل ذلك عليها كثيرا بتغيير اللاعبين الذين يومياً نرى وجه احدهم وهو يتزلف ويتقرب الى الامريكيين حتى لو منح كل ثروات العراق لاجل الوصول لكرسي الحكم.
فيما سيكون عندئذ كلمة لدول جوار العراق ربما كلمة اقوى واكثر تفكيكا بالداخل العراقي، وهنا لا استثني من دول الجوار العراقي احدا منهم، بالتالي كلهم يبحثون عن مصالحهم اولا، وهم امر طبيعي لدى كل الامم.
وانهي قولي بأن اذكركم:
“الذاكرة تزخر وما الامس ببعيد”
“وذكر عسى ان تنفع الذكرى”
د.حيدر سلمان
طبيب وكاتب ومحلل سياسي