اذا ما نظرنا الى مطلب المتظاهرين، وامكانية تحقيقه في اجراء انتخابات وطنية نزيهة، وتعديل الدستور، علينا ان نقف وقفة سريعة لنعود بالذاكرة الى ما بعد 2003، مرورا الى يومنا هذا، وبشكل مختصر.
عزمت القوى السياسية، التي كانت تطلق على نفسها قوى المعارضة للنظام الدكتاتوري المباد، على ان تصنع عراق جديد، عراق دستوري، عراق لجميع مكوناته، يكفل حرية الرأي والتعبير والتعددية الحزبية، وكانت تعلم حجم التحديات التي تواجهها في انجاز هذه المهمة، تحديات بنوعيها، الخارجي بالدول التي لا ترغب في نجاح التجربة الديمقراطية في العراق، والداخلي بين الموضوعي والذاتي، وما يهمني الان هو الذاتي، الذي تجلى بشكل واضح في الصراعات السياسية ما بين القوى والشخصيات السياسية، مما تم استغلاله بشكل كبير من قبل الدول الخارجية في التأثير على القرار السياسي، حتى وصل الحال الى ان يقال عن انتخابات 2010 انها اقليمية بامتياز.
اهم عنصر في العامل الذاتي، انعدام الثقة في ما بين القوى السياسية، الذي تم تغذيته بشكل مفرط، واثر على بناء العملية السياسية وكتابة الدستور، ولذلك تم اعتماد الديمقراطية التوافقية في معيار بناء العملية السياسية، كي يضمن الجميع حقه في العملية، وكان المفروض ان تتحول تدريجيا الى الديمقراطية التي يعرفها الجميع في التغيير عبر الانتخابات، لكن وبسبب اطماع شخصية وحزبية في الهيمنة على السلطة والثروة، تحولت الى محاصصة سياسية اعتمدت الطائفية معيارها الاساسي وتم استغلال الطائفة لحماية الطائفيين والحفاظ على مواقعهم السياسية والحكومية، وهذا انطبق على كتابة الدستور، بسبب الخوف من استغلال الدستور لمصلحة جهة على اخرى كتب بهذه الطريقة الجامدة ويصعب اجراء التعديل عليه برغم من وضع المادتين (142) و(126) في الدستور لاجراء تعديلات عليه، وبالفعل تم تشكيل لجنة، لكن لم تنجز بسبب عدم توفر الارادة السياسية لها.
فشلت القوى السياسية في تحقيق انتخابات نزيهة عادلة عام 2005، وبدلا من تصحيح اخطائهم والترفع عن السعي الى تحقيق مكاسب شخصية وحزبية، بات انعدام الثقة يتعمق اكثر خصوصا وان نهب الثروات وتفشي الفساد يرتبط بالمكاسب الشخصية اكثر من الحزبية والطائفية حتى، وللحفاظ على موقعهم قاموا بتعديل قانون الانتخابات وقسموا العراق من (وطن) دائرة انتخابية واحدة الى 18 دائرة انتخابية وفق الحدود الادارية لكل محافظة عراقية، وبدلا من تعزيز الوطنية تعمق الانقسام وفق الهويات الفرعية، واصبح الحديث عن المحاصصة الطائفية وفق حصة الشيعة والسنة والكورد والمكونات الاخرى بشكل مباشر والبرلمانيين يتحدثون عن تمثيلهم الفئوي اكثر من الوطني، وما زاد الطين بله تضخم الدوراو التأثير الخارجي في العملية السياسية وبشكل علني، وتحققت انتخابات 2010 في ظل هذه الاجواء ونتائجها مطعونة بتزوير اكثر من سابقاتها، وحل عام 2014 وهو استحقاق انتخابي دستوري اخر، وزاد التنافس بين الفرقاء ليس على الفوز في الانتخابات لتحقيق مشاريع وطنية بل من اجل الاستحواذ على مقدرات البلاد من خيرات ونهبها لصالح المتنفذين في مفاصل الدولة، وجاءت انتخابات 2018، بعد تعمق الانقسام الطائف والاثني ليتمكن الارهاب والمتمثل بداعش وينطلق بسحق الاخضر واليابس ولا يميز بين مكونات الشعب.
الان وبعد كل هذا، هل يتعظ السياسيون؟ الان وبعد انتفاضة الشباب في تشرين الاول الماضي، هل يتعظ السياسيون؟ اما ان الاوان الى ان يعودوا الى رشدهم وكفاهم ما يفعلون في تقسيم الشعب الى شعوب، والوطن الى اوطان، لماذا لا يعترفوا بان الخلل لم يكن في ان العراق دائرة انتخابية واحدة، والخلل بهم وبطمعهم وانتمائتهم الخارجية، كل الاذرع التي يستخدموها في تقسيم العراق الى دوائر متعددة لمصالحم وليس لمصلحة الناس والوطن، نعم هناك دول كثيرة يضرب السياسيون بها مثل الدوائر المتعددة، وبمقدمتها، بريطانيا، ومصر، والسؤال هل انتم وطنيون مثل البرطانيون والمصريون؟ وهل البرلمان المصري مثل البرلمان البريطاني؟
اعتقد ان الخيار الامثل هو ان يكون العراق دائرة انتخابية واحدة، لتعزيز روح المواطنة وان يكون مجلس النواب وطني، والنائب فيه يشعر باهمية الاصوات في جميع المحافظات، اما لارضاء الجميع ممكن ان يكون النظام مزدوج ما بين (الوطني والمحلي)، وهو معمول به في عدد من الدول الاوربية، يكون خمسين في المئة، العراق دائرة انتخابية واحدة، وخمسين في المئة دوائر متعددة على مستوى المحافظة او اقل، هنا اريد ان اضيف مقترح وهو ان يكون الفائر على المستوى الوطني في اللجان السيادية والفائز على المستوى المحلي في اللجان الخدمية، وبهذا حققنا مطلب مهم من مطالب المتظاهرين الذين يريدون نواب من مناطقهم ليحققوا لهم الخدمات وكذلك حققنا مطلب المتظاهرين الذين يريدون الوطنيون في المواقع السيادية.
اما ما يخص التعديل الدستوري، اعتقد من المهم ان تكون لدينا دائرة مستقلة تابعة للبرلمان منتسبيها مختصون في القانون الدستوري، مهمتها استقبال جميع المقترحات ومن جميع المواطنين من دون تفريق او تمييز وانت تلخصها وان تفلترها وفق القوانين الدستورية ثم يتم طرحها على مجلس النواب للتصويت عليها وعرضها على الشعب مع الانتخابات النيابية، بذلك نكون منحنا الحق للدماء الجديدة في المجتمع الدور في كتابة الدستور وتحديد مصيرهم وفق الدستور، وهذا يعزز التماسك المجتمعي الدستوري، وهنا لابد لي ان اشير غياب قدرة الشباب على التعديل الدستوري جعلهم يرفضون الدستور جملة وتفصيلا برغم من ان الدستور العراقي الحالي هو من افضل دساتير المنطقة.