اطار عام لبناء الدولة  .. بقلم  : محمد عبد الجبار الشبوط

2020-09-05T12:25:27+03:00
2020-09-05T12:25:51+03:00
اراء
5 سبتمبر 2020wait... مشاهدة
اطار عام لبناء الدولة  .. بقلم  : محمد عبد الجبار الشبوط
اطار عام لبناء الدولة  .. بقلم  : محمد عبد الجبار الشبوط

كل عمليات بناء الدول التي شهدها التاريخ انطلقت من اطار نظري عام انتجه او تبناه الاباء المؤسسون للدولة. ينطبق هذا على الدولة البريطانية الحديثة منذ ثورتها المجيدة عام ١٦٨٨ والدولة الفرنسية منذ ثورتها في عام ١٧٨٩ والدولة الاميركية عام ١٧٧٥ والدولة الشيوعية السوفياتية منذ الثورة البلشفية عام ١٩١٧ والدولة الاسلامية الايرانية منذ ثورة الامام الخميني عام ١٩٧٩.

لكن هذا لا ينطبق على عملية اعادة بناء الدولة العراقية في عام ٢٠٠٣ بعد سقوط النظام الدكتاتوري البعثي المتخلف. ذلك ان الذين تولوا زمام الامور فيما عُرف بالعملية السياسية لم يكونوا يملكون رؤية للاطار العام المطلوب لبناء الدولة، او لانهم لم يكونوا متفقين على رؤية موحدة لهذا الاطار. فقد كانوا خليطا غير متجانس من الاحزاب الاسلامية الشيعية والسنية الذين كانوا الى وقت قريب يحلمون بدولة اسلامية، واحزاب كردية كان كل همها محصورا في اقرار الحقوق القومية للشعب الكردي، اضافة الى مجموعات علمانية (بما فيها احزاب قديمة كالحزب الشيوعي). ومما زاد الطين بله ان هذه الاطراف غير المتجانسة وقعت جميعا في شرك المحاصصة الطائفية والعرقية والحزبية الذي حاكه في البداية الحاكم المدني لسلطة الاحتلال الاميركي- البريطاني السفير بريمر ابتداءً من تشكيل “مجلس الحكم”. وكان هذا بداية سلسلة متواصلة من عيوب التأسيس التي ارتكبتها الطبقة السياسية التي تشكلت بعد سقوط نظام صدام من اشخاص عُرفوا بمصطلحي عراقيي الداخل وعراقيي الخارج، وهي العيوب التي فتحت الباب على مصراعيها امام الفساد وتدني نسبة الانجاز وسوء الخدمات والتي قادت في نهاية المطاف الى انسداد الطريق امام الاصلاح و تكليف مصطفى الكاظمي بتشكيل الحكومة للهروب من الوضع غير المرغوب فيه.

وشكل غياب الاطار النظري العام لبناء الدولة الجوهر الحقيقي للازمة التي يعاني منها العراق منذ عام ٢٠٠٣، وليست الظواهر السلبية الاخرى مثل الفقر والبطالة وغير ذلك سوى ملحقات لهذه الازمة.

وللخروج من هذه الحالة كان لابد من اقتراح اطار نظري عام لبناء الدولة يشكل اساسا لاستراتيجية الخروج من الازمة وحل مشكلاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية والادارية المتفرعة عنها. وقد اقترحتُ منذ عدة سنوات فكرة الدولة الحضارية الحديثة لتكون اطارا عاما لاعادة بناء الدولة العراقية وتحقيق الاصلاح الشامل. وقد بنيتُ فكرة الدولة الحضارية الحديثة على مفهوم “المركب الحضاري والقيم الحافة به” باعتباره يمثل القاعدة التحتية لبناء الدولة. ولما كان المركب الحضاري مؤلفا من خمسة عناصر هي: الانسان والارض والزمن والعلم والعمل، اضافة الى القيم، فان مشروع اعادة بناء الدولة على اسس حضارية حديثة لابد ان يركز على اعادة تأهيل الانسان، واستثمار الارض، وجدولة الزمن، والانفتاح على العلم الحديث، وتوفير فرص العمل المدروسة، اضافة الى اعتماد نظام تربوي يرسّخ القيم العليا الحافة بالمركب الحضاري في نفوس الجيل الجديد الذي نشأ بعد عام ٢٠٠٣.

كما تتضمن فكرة الدولة الحضارية الحديثة، كاطار عام، جعل المواطنة اساسا للبناء، والديمقراطية اساسا للحكم، اضافة الى الارتكاز على القانون والمؤسسات والعلم الحديث في بناء الدولة. وفي اطار هذه الفكرة ستكون مفردات مثل الحرية والعدالة والمساواة والامن والرفاهية والعمل والصحة والتربية وغير ذلك مؤشرات اساسية في ستراتيجية بناء الدولة الحضارية الحديثة.

غني عن الذكر ان شيئا من هذا لم يحصل في السنوات الماضية، او لم يحصل بكمية كافية تجعل من الممكن بالنسبة للمواطن ان يشعر بالفرق. وادى ذلك الى فقدان الثقة في النظام السياسي، وبخاصة النظام الديمقراطي البرلماني، وباشخاص الطبقة السياسية الحاكمة. ومعه يتعين القول بضرورة العودة الى المربع الاول، واعني به الانطلاق من اطار نظري عام للبناء، وهو: الدولة الحضارية الحديثة.

error: Content is protected !!