كتب : علي علي
إنه لمن المؤلم حقا، أن من بين متصدري الحكم في العراق نفرا، يُحتسبون من (حبال المضيف) غير أنهم يكنون للعراق الرغبة في التأخر والتقهقر، والبقاء في خانة الدول التي تفوز دائما بالمرتبة الأولى في الفساد والجريمة، وتريحهم حالات انعدام حقوق الانسان وضياع كثير من المواطنين تحت خطوط الفقر المدقع، ويتلذذون بسماع الأرقام والنسب التي تعكس تفشي الفقر والجهل والأمية والمرض، وتسعدهم كثيرا أخبار هجرة العقول والصراع بين القوميات والأطياف. والغريب أنهم يتربعون على أعلى المناصب في البلد، وبيدهم دفة القيادة بشكل أو بآخر.
ومنذ عام 2003 والساحة العراقية مكتظة بكم هائل من الأحداث والأخبار اليومية على الأصعدة كافة، منها المضحك وهو الشغل الشاغل لفئة معينة تقوم أعراسها على مآتم العراقيين، ومنها المبكي وهو حصة النسبة العظمى من المواطنين الذين ينطبق عليهم مثلنا الشعبي القائل: “جزنا من العنب انريد سلتنا”. وهم الذين لايبتغون غير العيش بسلام ووئام في عراقهم، رافعين شعار (نعم للعلاگة.. لا لباقي الحقوق) بعد أن حتم عليهم واقعهم العيش دون أدنى مستويات العيش الكريم، إلا من كان محظوظا ومحسودا، فيصل حد الكفاف. ولعل من المضحك المبكي أيضا تحقيقا أجراه أحد الصحفيين الأوربيين مع شاب عراقي، إذ سأله في نهاية لقائه معه قائلا: هل لديك أحلام تتمنى تحقيقها؟ أجاب الشاب بعد تنهد طويل: أتمنى شيئين فقط؛ “أن أتزوج.. وأن يكون لي بيت”..! فقال له الصحفي: سألتك عن أحلامك.. وليس عن حقوقك..!.
اليوم ونحن نعيش حالات الرفض والمعارضة، لنهج المسؤولين والسياسيين الذين أوصلوا العراق إلى وضع لايحسد عليه، وتسببوا في خسارات كبيرة وكثيرة وعزيزة، أولها الأرواح والنفوس الغالية من المواطنين الأبرياء، وثانيها وليس آخرها ضياع ثروات لاحصر لها، كان يتمتع بها البلد العريق ذي التاريخ الموغل في التحضر، لابد للجميع من الوقوف بحزم وعزم شديدين، ناصحين أنفسنا بأن لانفوت فرصة الإصرار والتمسك بالمطالبة بالتعديل والتغيير الجذري، وهذه المرة علينا أن لانقبل بالحلول الترقيعية او أنصافها، كما كنا نرضى بها كمحطة وقتية لتغيير أكبر وأكثر شمولا، ففي حقيقة الأمر أننا اليوم نتعامل مع ساسة مدربين على الظلم مقابل التظاهر بالمظلومية، مجبلين على أكل السحت مع الادعاء بالنزاهة، متقنين فنون السرقات وضليعين في إيجاد ثغرة قانونية تجيز لهم جرمهم، متطبعين على التلون والتحايل مبدين التواضع والبساطة، كذلك هم يتدرعون بدروع ومصدات عديدة، ويتسترون تحت أغطية باتت مكشوفة لدى العراقيين، أولها الدين وثانيها المنسوبية والمحسوبية، وثالثها وأدهاها الأحزاب والتحاصص بخيرات البلاد، ولاتقف تستراتهم عند رابعة وخامسة وعاشرة، فهم لوذعيون في نيل مآربهم النفعية بألسنتهم المعسولة، وماكرون في صياغة الخطب الرنانة، والتصريحات الطنانة في كل ركن من أركان المناصب والمقاعد الوظيفية والمراكز القيادية.
نحن اليوم تحت مطرقة خيارين لاثالث لهما، الأول؛ تغيير منهج التعامل مع مرافق البلد من قبل مسؤولي مؤسساته، وهذا لن يجدي نفعا مالم يتم القضاء على الفساد، وإزاحة المفسدين عن الساحة، كما أنه لا يتأتى إلا من خلال تطبيق التكنوقراط في إدارة المؤسسات، من قاعدة الهرم حتى قمته، كذلك تفعيل مبدأ العقاب ثم العقاب ثم العقاب بحق المسيء، من دون تراخٍ وتهاون ومحاباة، أما الثواب فللمبدعين والمنتجين فوق مامنوط بهم من واجبات، إذ كما هو معلوم “لاشكر على واجب”.
أما الخيار الثاني فبكل أسف، سيكون محصورا بين الضياع والتشرذم، والتردي والتقهقر، والنكوص إلى حيث لا قائمة تقوم لنا بعدها، ولات حين مندم.