كتب: علي علي
لا يلمس المتصفح أحداث العقد ونصف العقد الأخير من السنين التي مر بها العراق، غير الرياح العاتية التي لطالما عصفت به، بتقلبات افتعلها قباطنة سفينته المبحرة في شطآن لاقرار لها ولاثبات لأمواجها الهوجاء. فالقلاقل السياسية من جراء صراعات ساسة البلد في حلبات مجالسه الثلاث، لم تستكن يوما إلا لتعاود هيجانها لاحقا، باضطرام أشد من ذي قبل، بما يحرق أخضر العراقيين ويابسهم على حد سواء.
وليت الاضطرام تقف تداعياته على الجانب السياسي وعلى رؤوس السياسيين فقط فنقول إذاك: “نارهم تاكل حطبهم”..! بل يستعر حتى يتطاير شرره شاملا البلاد بجوانبها كافة، إذ سرعان ما تعصف بها الأزمات، مخلفة الموت والخراب والفقر والبطالة والكساد والركود، والأمثلة على مآسي المواطن في جوانب حياته كثيرة، وله رصيد كبير من الظروف العصيبة والبلاءات المتنوعة.
وقطعا أشد البلاءات المتسببة في كل التداعيات كانت ومازالت تأتي من الداخل، على أيدي عراقيين شاءت الصدف والحظوظ ان يتسنموا مناصب مرموقة، او يتقلدوا سلطات بشكل من أشكالها، أو يتنعموا بجاه على الصعيدين السياسي والديني، فراحوا يعيثون في العراق فسادا، حتى صيروه هدفا شاخصا امام الطامعين، ولقمة سائغة أمام المغرضين على اختلاف أسبابهم وغاياتهم.
والتاريخ الحديث زاخر بمثل هؤلاء الأشخاص، منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921 حتى يومنا هذا، إذ نرى بين الحين والآخر بروز شخصيات تحمل الجنسية العراقية، وتنطق من اللهجات البغدادية اوالموصلية اوالأنبارية اوالبصراوية، او تتكلم اللغة الكردية، إلا أنها في حقيقة الأمر تعمل ضد مصلحة العراق، وبالند من العراقيين من محافظاته وقومياته كافة. وفي كل الأحوال فان المتسلط على حكم فئة او مجموعة او بلدة، مهما كبرت او صغرت الرقعة التي يحكمها، فهو مسؤول عن كل ما يحدث لرعيته وما يتعرضون له، ومن صلب واجباته الوطنية والأخلاقية درء الشرور والأضرار عنهم من أي مصدر تأتي منه، وقطعا هذا النهج يسير على خطاه الإنسان السوي حصرا، إذ أنه يدخل في حساباته مسؤوليات الراعي تجاه الرعية، كذلك مسؤوليات الرأس أمام المرؤوس، ويكون العمل الصالح وإتقانه ديدنه وخطته في جداول أعماله، وستثمر بالتالي حساباته هذه عن معطيات ونتاجات تصب في صالح الجميع. أما لو كان غير سوي -وهو ماموجود حاليا- فإنه سيضرب كل هذه القيم والمبادئ عرض الحائط، وسينأى عن طريق الصواب بكل أشكاله.
اليوم ونحن نعيش حالات الرفض التام التي أعلنتها شرائح الشعب كافة، لكل مامر من مناهج في إدارة مؤسسات الدولة، وبالكيفية البيروقراطية التي تجثم على سير أعمالها، من المؤسف أن نرى كثيرا من ساستنا في الكتل السياسية، قد نأوا عن العمل الصالح أيما نأي، واستبدلوه بأعمال لاتمت الى العرف الإنساني والوطني ولا الى الضمير بصلة، وآثروا عليها المصالح الشخصية والمآرب الخاصة، وخدمة أسياد لهم جندوهم لأطماع شتى، بين مادية وسياسية وإقليمية فضلا عن العرقية والطائفية، هاملين مصالح من اصطبغت أصابعهم تأييدا بنفسجيا لهم، متغافلين عن مراعاة حقوق الفرد من رعيتهم، فارتدوا لباس الراعي المسؤول عن الرعية وهم يبطنون غير ذلك، وتقوّلوا بالكلام السليم وحادوا عنه، والوعود المعسولة وأخلفوها، والعهود الموثوقة ونكثوا بها، وادعوا الإصلاح وأشاعوا الخراب.
ومازال ديدنهم هذا لغايات لاتخدم البلاد والعباد، وتركوا المواطن يبحث عن بدائل وحلول رجما بالغيب، أو يتأمل معونة من صديق او دولة صديقة، ناهيك عن رفعه شعار: (المشتكى لله) بعد يأسه من ساسته ويقينه التام والقاطع ان نداءاته واستغاثاته يسمعها صم، ويتحدث بها بكم، ويراها عمي لايفقهون.