تحديد الهدف الرئيس او العدو الرئيس او التناقض الرئيس من اهم شروط تحقيق النصر او النجاح في اية عملية سياسية او اجتماعية.
حينما خرج المتظاهرون الى ساحة التحرير والحبوبي وغيرهما جعلوا هدفهم الرئيس هو الاشخاص المتصدين للحكم الان، وطالبوا باستقالة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي.
وحينما ظهرت المعارضة العراقية الى العلن خاصة بعد عام ١٩٧٩ جعلت هدفها الرئيس اسقاط صدام حسين.
ونحن نعلم ان صدام نفسه اتبع سياسة شخصنة الدولة وفرض عبادة الشخصية في المجتمع العراقي.
في الحالات الثلاث كان الشخص او الاشخاص هم محور التفكير وموضوع العمل.
وصدام حسين لم يأت من فراغ، انما جاء من بنية اجتماعية معينة في سياق تاريخي معطى.
وشخوص الطبقة السياسية جاءوا من بنية اجتماعي معينة وفي سياق تاريخي معطى.
والمتظاهرون، او الذين تحدثوا باسمهم، جاءوا من بنية اجتماعية معينة وفي سياق تاريخي معطى.
ولم يظهر معارضو صدام وحكامه من بعده، ولا متظاهرو التحرير، انهم يميزون بين “هدف الطريق” و “هدف الغاية”، وهي المصطلحات التي وضعها الامام الشهيد محمد باقر الصدر للتمييز بين الهدف الذي يكون تحقيقه وسيلةً او مقدمة لتحقيق هدف ابعد او غاية اعلى. لم يظهر في تصرفات الطرفين وتصريحاتهم انهم يميزون بين هذين النوعين من الاهداف، وانهم، في الحالة الاولى، يعتبرون صدام هو عدو طريق، وان اسقاطه هو هدف طريق، للتعامل من بعده مع العدو الرئيس؛ ولم يظهر متظاهرو التحرير والذين نطقوا باسمهم، في الحالة الثانية، انهم يعتبرون الفاسدين واسقاطهم هدف طريق للتعامل مع العدو الرئيس ولتحقيق الهدف الابعد.
كلاهما وقع في نفس الخطأ الذي ارتكبه صدام وهو شخصنة الموضوع. كلا الطرفين لم يظهر منهما انهما حددا بوضوح ما يعتبرونه العدو الرئيس او الهدف الرئيس.
وحده، محمد باقر الصدر، بقدر ما اطلعت على الصعيد العراقي، حدد العدو الرئيس والهدف الاعلى.
وحده، محمد باقر الصدر، عراقيا، وفي وقته، اعلن ان العدو الرئيس للمجتمع العراقي هو التخلف، وان مشروعه للدولة الاسلامية القائمة على فهمه الحضاري للاسلام، هو وسيلة واداة للقضاء على التخلف وتحقيق التنمية الشاملة، التي جعلها الهدف الاعلى للحركة الحضارية للمجتمع العراقي.
وهذا، اي اعتبار التخلف هو العدو الرئيس للمجتمع العراقي، امر لم تعلنه المعارضة العراقية قبل اسقاط صدام وبعد اسقاطه، وهذا ايضا ما لم يذكره متظاهرو التحرير وغيرها. وبذا يرتكب المتظاهرون نفس الخطأ الذي ارتكبته الطبقة السياسية الحالية، المعارضة سابقا، وهو عدم اعتبار التخلف هو العدو الرئيس. وبسبب ارتكاب هذا الخطأ من الجانبين، فانهما لم ينظرا الى ابعد من الشخص او الاشخاص الذين اعتبروا ازالتهم هي الهدف الرئيس.
هذه مراجعة نقدية للماضي من اجل خطوات مدروسة اكثر للمستقبل.
(وكالعادة سوف يرد علي بعض القراء بسؤال اصبح تقليديا بالنسبة لي وهو: اين كنت في السابق؟ لماذا لم تعلن ذلك في الماضي؟ ومع انه ليس من الواجب ان تكون لي سابقة لكل ما اقوله الان بحكم تطورات الزمن، الا انني كتبت عن ذلك في مقال بعنوان “التقدم ام التدين اين يكمن جوهر المسألة؟”، ونشرته في صحيفة “البديل الاسلامي” الصادرة في بيروت في ١٠ اذار من عام ١٩٨٨، كما نشرت مقالا مثله في مجلة لبنانية اخرى في نفس الوقت. ولست اباهي الاخرين في ذلك، فقد كنت دائما وما زلت استعيد افكار السيد الصدر).
التخلف الحضاري هو العدو الرئيس للمجتمع العراقي، والتنمية الحضارية المستدامة هي الغاية العليا التي يجب ان نسعى الى تحقيقها. واما الدكتاتورية، والظلم، والارهاب، وداعش، والمحاصصة، والفساد، وسوء الخدمات، وما رافق التظاهرات من ممارسات سلبية في القول والتصرف، فما هي الا افرازات خارجية للمشكلة الاعمق وهي: التخلف الحضاري.
محمد عبد الجبار الشبوط