كتب: هادي جلو مرعي
بشر كثر، وعقائد لاتعد ولاتحصى، ووصل الأمر بالناس ان يعبدوا بقرة، أو عجلا، وحتى الحجر والضوء، وكل ماهب ودب من مخلوقات حيوانية ونباتية، وأشكال مما تزخر به الأكوان التي ادركتها حواس الإنسان، ولم يعيها عقله كما يجب، ولذلك حارت فيها وعجزت عن إدراك الغيب الذي يتحكم بها. جحد الناس رب البقرة، وعبدوا البقرة كما فعل السامري، وجماعة من بني إسرائيل حين عبدوا عجلا له خوار، وجحدوا رب العجل وخالقه الذي أطعمهم من جوع، وآمنهم من خوف، وشق لهم البحر ليمروا منه، وأهلك فرعون ورهطه.
ليس الأمر مقتصرا على الخلق والتكوين والفهم والإدراك لطبيعة الكون والخلق، وعظمة الخالق الذي ينكر وجوده البعض، فيطلق عليهم الناس تسمية (المتنورين) ولكن الأمر يتعدى ذلك الى الصراع والخلاف العميق بين البشر المختلفين على الدين، والقومية، والأفكار، وسياسات الحكم، وطرق الحياة، ويحاولون تغليب آرائهم التي يرونها سديدة، ويرغمون مخالفيهم على إعتناقها، أو الإذعان لها بعصبية بالغة، وتشدد ينكره كل ذي عقل سليم.
الناس يختلفون على صغائر الأمور وكبارها، ويتجادلون، ويتعاركون، وقد يشعلون حروبا ونزاعات عندما يعجزون عن إخضاع مخالفيهم. دول وشعوب تحاول نشر ثقافاتها بالإكراه، ولعلها تبيد المخالفين والرافضين، وتنهي وجودهم في حال لم يستسلموا، وينخرطوا في الحياة التي يحكمها الفكر الغالب حتى وإن كان فكرا شاذا كما هو الحال اليوم حيث تسيطر قوى كبرى على مقدرات الأمم المستضعفة، ووصل الحال بها الى نشر ثقافة الشذوذ الجنسي والمثلية لتخريب العالم، وتطلب من الحكومات التسليم بالأمر، وتشريع القوانين التي تبيح المثلية الجنسية.
لفرط مانحن فيه من تنازع، وماعليه من خلاف، فإن يوم القيامة إستثنائي، وليس له مثيل في الأيام لأنه سيفصل في المنازعات والخصومات، ويرد المظالم، ويتيح الفرصة كاملة لمعرفة من كان على خطأ، ومن كان على صواب، ومن أراد للناس أن يموتوا ليعيش في ظروف مختلفة وهانئة، هو يوم لاينفع الكافرون كفرهم، ولاالمنكرون إنكارهم.
مثلما يقع الموت بالقهر ويحول الإنسان المتجبر المتكبر المعاند الى جيفة نتنة يتسابق الناس الى التخلص منها بدفنها في الأرض، أو حرقها بالنار، أو رميها في البحار، أو تقطيعها وتركها لنسور الجبال لتنهشها كما تفعل أقوام، فأن القيامة فعل قاهر للبشر، ولكل مخلوق مسؤول ومحاسب، وإذا كان هناك مستهزأون فإن الله هو من يستهزيء بهم لأنهم سيعودون إليه صاغرين، لاتنفعهم أفكارهم، ولافلسفاتهم، ولاباطلهم، ولاغرورهم، خانعين منكسي رؤوسهم لاحول لهم ولاقوة، ليعرف كل حجمه، وينكشف أمره على الملأ.